كلمة مدق هي الكلمة الأدق لاسم الشارع المصري، بل هو اسم جميل مقارنة بالشارع المصري. والمدق هو طريق معبد لسير السيارات بين الجبال، وكنا نستخدم هذه المدقات وسط الجبال أثناء تأديتنا لخدمتنا العسكرية، حيث كانت معسكراتنا غائرة وسط الجبال. والمدق ليس طريقا مرصوفا، بل طريق دقته الدواب ثم السيارات من فرط سيرها على الصخور.
كانت المدقات المصرية؛ عفوا أعني الشوارع، كانت مفاجأتي الأثيرة عندما شرعت في خوض غمار القيادة للمرة الأولى، كانت مفاجأة من نوع جديد؛ بالرغم من أنها كانت أمامي ليلا ونهارا، ويبدو أننا نعاني تبلدا قاسيا من فرط اعتياد أعيننا على السلبيات.
ومثار المفاجأة أنني بعد أن وطدت نفسي على أن أسير بسيارتي وسط طوفان من الحيوانات والميكروباسات والأوتوبيسات والمقطورات والتريللات والآدميين والدراجات والموتوسيكلات؛ وكل هؤلاء يسيرون مختلطين لأنه لا يوجد رصيف ولا حارات مرورية للدراجات.. إلخ. بعد اضطراري للتأقلم مع كل هذا اكتشفت أنني في حاجة لأن أركز مع شئ جديد!!؟؟ فشوارع كثير من المدن المصرية لا تجد صيانة. وبعد أن يتم رصف طريق تكتشف هيئة الصرف الصحي أن الأسفلت قد غطى على بالوعة أو جعلها غائرة. فلو تركها غائرة أهملتها ويقع السائق في مطباتها كل يوم. ولو أكتشفت أنها أصبحت مغطاة فإنها تحفر الطريق الجديد لتعليتها، ولا تفكر بعد ذلك في رفع أنقاض الحفر، بل تتركها للزمن ولإطارات السيارات لتمهيدها.
وشركات النظافة: أقصد شركات تكريس الزبالة في شوارع القاهرة تكتشف أن الناس يلقون بمخلفاتهم فيها (مفاجأة)، وأن هذه المخلفات زائدة جدا عن حجم ما تضعه من صناديق، ولهذا تجلب بلدوزر لرفع المخلفات، وطبعا سائق البلدوزر الجاهل يرفع المخلفات ويجرف معها الأسفلت ليتركك تقع في مطباته إلى جانب البالوعات وأنقاض الحفر.
ونترك هذا لننتقل لهيئة الطرق والكباري التي تتفنن في عمل مطبات صناعية تعذب قائد السيارة. حتى إن بعض الأصدقاء يدورون دورة طريق طويلة لتجنب 3 أو 4 شوارع لأن بها مطبات (بنت...). ولو أنك اضطررت للهرب من زحمة المرور عبر شوارع جانبية فستفاجأ بالمطبات التي عملها الأهالي؛ وهي أعلى من الأعتاب السفلى للسيارة بحيث تجعلك تستشيط غضبا عوضا عن أن تستشيط من الزحام المروري.
ليت هيئة الطرق تكتفي بهذا القدر، بل تجدها ترصف الشوارع بأردئ أنواع الخامات التي يأتي عليها الصيف فتسيح وتتعرج وتنبعج وتتقوس وتكلكع.. لتضيف لبؤسك بؤسا ولشقائك عذابا. ولنترك كل هذا ونتجه للشوارع التي بها محلات، والتي يقوم فيها الناس برش الشوارع لترطيبها هربا من الحر أو للتخلص من ماء التنظيف، ويأكل الماء الأسفلت، وينتج عن ذلك عددا بلا حصر من الحفر والنقر والقرف كذلك.
تذكرت مع هذا الوضع حين كنت أؤدي خدمتي الإكراهية بالقوات المسلحة فكنا نسير وسط الصحراء في مدقات غير ممهدة، وانتابني حنين لهذه المدقات التي لا تقاس وعورتها بوعورة شوارع القاهرة.