أقطن في منزلي الذي أعيش به الآن منذ سبع سنوات. وأتردد على مسكني قبل هذا بثلاثة أعوام؛ منذ أن كنت أقوم بتجهيزه. ومن نعمة الله علي وعلى قلبي أن بيتي محاط بأربعة مساجد كما هو محاط بأربعة شوارع؛ ففي كل شارع من هذه الشوارع مسجد مبني أسفل أحد المنازل. ما العلاقة الآن بين سكني ومدته والشوارع والمساجد؟؟!!
العلاقة أني منذ 10 سنوات لم أسمع في هذه المساجد الأربعة موضوع واحد عن حياة الناس. فأحد المساجد يغلب عليه الطابع السلفي على طريقة جمعية أنصار السنة التي تولي العقيدة جل اهتمامها. والمسجد الثاني يأتيه عالم من الأوقاف يجيد الخطابة واستمالة القلوب؛ لكنه لا يعرف الحديث إلا عن المناسبات الدينية والجن والكرامات؛ فتجده قبل عاشوراء يلقي خطبتين عنها، وقبل الإسراء والمعراج خطبتين، وقبل وبعد المولد النبوي 3 خطب، وقبل تغيير القبلة خطبة، وقبل رمضان 4 خطب، وبعد رمضان خطبة، وقبل الحج 4 خطب.. إلخ؛ حتى إن السنة كلها أحاديث مكررة عن نفس المناسبات، ويكاد يكون نفس الكلام بنصه؛ حتى إنني بدأت أشك في أن لديه صندوق للخطب يمر عليه كل عام بحسب التاريخ. المسجدين الثالث والرابع من مساجد الأهالي الذين قد يضحكك ما يقوله فيها الخطباء. والخلاصة أن مصالح الناس ضائعة على المنابر.
تعاني مشكلتي أخي القارئ في أن المنطقة التي أسكن بها تعاني أزمة مرورية خانقة. ففي بعض الأوقات لا يمكنك أن تدخل بسيارتك لبيتك إلا بعد ساعتين تستغرقهما في مسافة لا تزيد عن نصف الكيلومتر. والمشكلة تكمن في سائقي الميكروباسات والتكاتك.. إلخ؛ برغم أنها من مناطق الطبقة الوسطى؛ ولعل هذه الظواهر من أوجه التعبير عن تآكل هذه الطبقة وتردي أوضاعها. هذه المشكلة المرورية تحدث منذ أكثر من ثماني سنوات، ولا تكاد تجد فقيها واحدا اهتم بها وعالجها. وطبعا لن تجد فقيها أو خطيبا يعظ الناس في كيفية عبور الطريق، وعدم إيذاء السيارات وسائقيها، وعدم إقامة المطبات العشوائية، وعدم إلقاء القمامة في الطريق.. إلخ. ولكي أكون منصفا؛ فإن هذه المشكلة الخاصة بالعلماء والخطباء ليست في مصر وحدها. فنادرا ما تجد فقيها ينصح الشباب السعودي في التفحيط وخطورته.
من أهم إمارات استشراء الفوضى في شارعنا المصري أن آدابه التي اعتنى بها الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث؛ هذه الآداب لم تعد تهم خطباء المنابر. ولا حول ولا قوة إلا بالله.