كم كنت باردا عندما كنت بلا سيارة. هذا رأيي بنفسي اليوم ورأي بعض من شاركوني خبرة السير في الطريق وعبوره وشاركوني خبرة قيادة السيارة. فقد كنت من قبل أعبر الطريق بروية ولا ألقي بالا لقائدي السيارات، ولا آبه لأبواق السيارات التي كنت أمر من أمامها. وكان منطقي أنني من حقي عبور الطريق بصورة تليق بكرامتي؛ فلا اضطر للهرولة أمام قائد سيارة ربما لا داعي لديه ليتعجل؛ وكنت انظر للعجلة التي فيها قائدي السيارة على أنها خصلة مكتسبة بفعل القيادة.
ولكن ما قدمنا بيميننا علينا أن نحصده بشمالنا. لكني اعترف بأني لست ذلك النزق الذي كان يمطرني بوابل من التبويق عندما كنت أمر صائنا صورتي عن الابتذال. فأنا لا أتردد لحظة في أن أقف - ولو كنت أسير بسرعة - استجابة لإشارة من شيخ أو عجوز تريد عبور الطريق. وازداد تمسكا بالتوقف عندما يمر من أمامي رجل يحمل صغيرته على كتفه، أو امرأة تحمل طفلها في حشاها. كنت أستحي أن أتجاوز هذه الحالات، حتى وإن ارتفعت خلفي أبواق رفض منطقي الإنساني في منح هذه النوعية من المراة الأولوية وإيثارها بحظي في استكمال طريقي. وكثيرا ما كنت أتوقف لأسمح بمرور فئات غير تلك التي ذكرت، متذكرا في وقت من الأوقات حالي وأنا متعجل وتخبطي بين السيارات حينذاك.
لكن هذا لا يمنع من أن الغيظ ينتابني أحيانا كثيرة تدفعني لمعاودة النظر في بعض قراراتي بعدم الاقتصار على الفئات التي تستحق فعلا هذه الأولوية. فتارة أتوقف ليمر من أمامي رجل أو زوجان فإذا بالمرأة تسوق دلالها فتستغرق أربعة أضعاف الوقت في المرور. وأحيانا تمسك بذراع زوجها لتحدثه في أمر طرأ على بالها، وليذهب ذلك المحسن الذي توقف لهما إلى الجحيم.
وأحيانا أمرر رجلا كهلا أربعيني العمر فتراه يقطع الشارع بزاوية حادة تجعل الوقت الذي يستغرقه يطول من بضع ثوان إلى دقيقة كاملة، ويكاد صبري ينفد حين يكون المار فتاة متأنقة ترتدي أفضل ثيابها متجهة لنزهة أو لزيارة صديقتها، مستشعرة أن السيارات يجب أن تتوقف أبد الدهر مفسحة لها الطريق لتعبر؛ وربما تتوقف لتصلح ما طرأ على حذائها من تراب أو طين، وربما تقابل صديقة في منتصف الطريق؛ فتنخرط معها في أحد شؤونها ولا تأخذها من ذراعها لجانب الطريق إلا بعد أن ترتفع أبواق السيارات أو تسمع كلمة من أحد الساتئقين؛ وبخاصة سائقي الميكروباسات.
أجدني مضطرا في مثل هذه المواقف للتبويق، وأعدهم بمعاودة النظر في إنسانيتي وتقديري لتكريم الله لبني آدم. وأنسى تلك القرارات التراحمية التي اتخذها في لحظات الروقان؛ فأجد الناس وقد صاروا مجبرين على احترام آداب المرور لدرجة الهرولة، ولا يمانع أحدهم أن يهمز بالقول فيمطرني برأيه في سيارتي الحبيبة واصفا إياها باللعبة أو الميدالية أو السلحفاة، وقالت لي إحداهن مرة: ماذا ستفعل إذا ركبت سيارة أكبر، وكأن إفساح الناس الطريق للسيارات صار وضعا طبقيا يتمايز فيه الناس تبعا لموديل سياراتهم وثمنها.
لكني أعود فأرفض صورة الناس تهرول أمام سيارتي المتواضعة. لكن التفاوض بيني وبين الشارع المصري جعلني أضع التراحم قاعدة، ولا استثني أحدا منها إلا عندما يكون مزاجي عصبيا أو معتلا، وتلك هي اللحظة الوحيدة التي لا أبالي فيها للمارة.
ولكن ما قدمنا بيميننا علينا أن نحصده بشمالنا. لكني اعترف بأني لست ذلك النزق الذي كان يمطرني بوابل من التبويق عندما كنت أمر صائنا صورتي عن الابتذال. فأنا لا أتردد لحظة في أن أقف - ولو كنت أسير بسرعة - استجابة لإشارة من شيخ أو عجوز تريد عبور الطريق. وازداد تمسكا بالتوقف عندما يمر من أمامي رجل يحمل صغيرته على كتفه، أو امرأة تحمل طفلها في حشاها. كنت أستحي أن أتجاوز هذه الحالات، حتى وإن ارتفعت خلفي أبواق رفض منطقي الإنساني في منح هذه النوعية من المراة الأولوية وإيثارها بحظي في استكمال طريقي. وكثيرا ما كنت أتوقف لأسمح بمرور فئات غير تلك التي ذكرت، متذكرا في وقت من الأوقات حالي وأنا متعجل وتخبطي بين السيارات حينذاك.
لكن هذا لا يمنع من أن الغيظ ينتابني أحيانا كثيرة تدفعني لمعاودة النظر في بعض قراراتي بعدم الاقتصار على الفئات التي تستحق فعلا هذه الأولوية. فتارة أتوقف ليمر من أمامي رجل أو زوجان فإذا بالمرأة تسوق دلالها فتستغرق أربعة أضعاف الوقت في المرور. وأحيانا تمسك بذراع زوجها لتحدثه في أمر طرأ على بالها، وليذهب ذلك المحسن الذي توقف لهما إلى الجحيم.
وأحيانا أمرر رجلا كهلا أربعيني العمر فتراه يقطع الشارع بزاوية حادة تجعل الوقت الذي يستغرقه يطول من بضع ثوان إلى دقيقة كاملة، ويكاد صبري ينفد حين يكون المار فتاة متأنقة ترتدي أفضل ثيابها متجهة لنزهة أو لزيارة صديقتها، مستشعرة أن السيارات يجب أن تتوقف أبد الدهر مفسحة لها الطريق لتعبر؛ وربما تتوقف لتصلح ما طرأ على حذائها من تراب أو طين، وربما تقابل صديقة في منتصف الطريق؛ فتنخرط معها في أحد شؤونها ولا تأخذها من ذراعها لجانب الطريق إلا بعد أن ترتفع أبواق السيارات أو تسمع كلمة من أحد الساتئقين؛ وبخاصة سائقي الميكروباسات.
أجدني مضطرا في مثل هذه المواقف للتبويق، وأعدهم بمعاودة النظر في إنسانيتي وتقديري لتكريم الله لبني آدم. وأنسى تلك القرارات التراحمية التي اتخذها في لحظات الروقان؛ فأجد الناس وقد صاروا مجبرين على احترام آداب المرور لدرجة الهرولة، ولا يمانع أحدهم أن يهمز بالقول فيمطرني برأيه في سيارتي الحبيبة واصفا إياها باللعبة أو الميدالية أو السلحفاة، وقالت لي إحداهن مرة: ماذا ستفعل إذا ركبت سيارة أكبر، وكأن إفساح الناس الطريق للسيارات صار وضعا طبقيا يتمايز فيه الناس تبعا لموديل سياراتهم وثمنها.
لكني أعود فأرفض صورة الناس تهرول أمام سيارتي المتواضعة. لكن التفاوض بيني وبين الشارع المصري جعلني أضع التراحم قاعدة، ولا استثني أحدا منها إلا عندما يكون مزاجي عصبيا أو معتلا، وتلك هي اللحظة الوحيدة التي لا أبالي فيها للمارة.